محمود سلطان
لم ترد أية كلمة بشأن ضحايا القاربين الذين غرقا قبالة السواحل الإيطالية على لسان أي من قيادات الوطني أثناء انعقاد جلسات مؤتمره العام التاسع، ولو من باب "المجاملة" أو أداء "واجب" العزاء!الكارثة جاءت متزامنة مع تعليق "الزينات" في كل شوارع القاهرة ، ابتهاجا بهذا "الإنجاز" الوطني الكبير، لتكون استنساخا من تراث الغيبوبة الرسمي إزاء الحوادث المشابهة: قطار الصعيد، ومسرح بني سويف والعبارة السلام ! .في دول عربية صغيرة، قدم وزراء استقالاتهم بسبب اعتقادهم بمسئوليتهم عن وفاة شخص في حريق بمستشفى في منطقة نائية، أو شخصين في حادث بمصفاة نفط، أو بسبب "شبهة" ـ محض "شبهة" ـ إساءة استغلال المنصب! .أما في مصر.. الشقيقة الكبرى، صاحبة أول برلمان منتخب في المنطقة (عام 1866) ، فقد بات شعارها الرسمي: "التضحية بالشعب من أجل أن تعيش الحكومة" ، مصداقا لما نقله كاتب كبير عن مفكر غربي ذات مرة، واصفا العالم العربي بأنه منطقة خالية من الشعوب ولا يسكنها إلا الحكام! .غير أن الحقيقة المرة أن هذه المقولة لم تعد تنسحب إلا على مصر وحدها، بعد أن اختفى الشعب وتوارى تماما، فيما يكتسي الوادي كله بصور الحكام الجدد باعتبارهم أصحاب الأرض الحقيقيين ! .وفي هذا السياق وصلتني هذه الرسالة من الدكتور تامر العقدة يقول فيها:"الأستاذ الفاضل محمود سلطان تعليقاً على ما ورد في مقالكم حول الشباب الغارق على سواحل إيطاليا ، شاءت الأقدار أن ألتقي بشابين دفعا هذا المبلغ للهروب من مصر ، وأثارني الأمر كما أثارك , فقد كانوا من فقراء الجنوب بحيث لا تحتاج إلى أية فراسة لتعرف أنهم باعوا كل ما يمتلكون ، وربما استدانوا ليهربوا من مصر .. وما أثارني أكثر هو عندما علمت أنهم يتقاضون في ذلك البلد ما يكاد يكفي ضروريات مأكلهم ومصاريفهم الشخصية ، ويعيشون في حالة ليست بالمميزة مقارنة مع ما كانوا عليه .. وحينما سألتهم: ولماذا لم تدفعوا هذا المبلغ مقدما لسيارة ميكروباص أو كشك سجاير أو تبدأون به أي مشروع ، كان ردهم في غاية البساطة و الصراحة, قالوا: هنا لدينا أمل نغامر من أجله, قد يأتي وقد لا يأتي ، لكننا نحاول .. بينما في مصر لا أمل لأمثالنا في الوصول لأي شيء ما لم نتاجر في المخدرات أو نحترف الجريمة .. في مصر سنضطر لدفع الرشاوي من أجر الكشك والميكروباص ، ولن يبقى لنا ما نعيل به أبناءنا .. على الأقل سأعود يوماً ما لمصر ، وسيحترمني الناس لأني عشت حياتي في أوروبا .. لكن إن بقيت فلن أنال الاحترام من أي شخص .في الحقيقة خجلت من نفسي لأنني شعرت لوهلة أنني أتحدث من برج عاجي ولا أشعر بما يشعرون به من مهانة في وطنهم .. أنا تغربت لكنني تغربت بإرادتي وبوضع كريم وفي النور ، ولم أتعرض يوماً لسباب ضباط الشرطة و لا للفقر المدقع .يا أستاذ محمود : هؤلاء الشباب لم يدفعوا أموالهم للهجرة إلى أوروبا ، بل دفعوها ليتركوا مصر .
تحياتي د. تامر العقدة" انتهت الرسالة .
Monday, November 5, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment